فصل: التسمية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي موقف من مواقف القصة يُدخل السياق الرسالة النبوية الأخيرة ويصف طبيعتها وحقيقتها. وذلك عندما دعا موسى عليه السلام ربه في شأن من صعقوا من قومه؛ واستنزل رحمته سبحانه على هذا النحو الذي يتداخل فيه القصص لتأدية غرض المعركة التي يخوضها القرآن فعلًا:
{واختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}.
وفي ظل هذا النبأ الصادق من الله، والوعد السابق برسالة النبي الأمي، يأمر الله النبي أن يعلن طبيعة رسالته، وحقيقة دعوته، وحقيقة ربه الذي أرسله، والأصل الاعتقادي الواحد الذي جاء به الرسل جميعًا من قبله: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}..
ثم تواصل القصة سيرها بعد هذه الوقفة، إلى موقف العهد ونتق الجبل وأخذ الميثاق. وفي ظل مشهد الميثاق والعهد على بني إسرائيل يذكر العهد المأخوذ على فطرة البشر أجمعين:
{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون}..
ويمضي السياق بعد ذلك في تعقيبات منوعة، يعرض في أحدها بعد مشهد العهد الفطري مباشرة، مشهد الذي آتاه الله آياته ثم انسلخ منها- كبني إسرائيل وككل من يؤتيه الله آياته ثم ينسلخ منها!- وهو مشهد يذكرنا بصوره وحركته وإيقاعه والتعقيب عليه بمشاهد سورة الأنعام وجوها كذلك:
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب: إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث! ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا؛ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون. ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون. من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون. ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس، لهم قلوب لايفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون..
ثم يمضي السياق يتحدث عن مسائل العقيدة حديثًا مباشرًا. ويعرض مع الحديث بعض المؤثرات من المشاهد الكونية ومن التحذير من بأس الله وأخذه؛ ومن لمس قلوبهم ليتفكروا ويتدبروا في شأن الرسول ورسالته.
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، وذروا الذين يلحدون في أسمائه، سيجزون ما كانوا يعملون. وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون. وأملي لهم، إن كيدي متين. أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة، إن هو إلا نذير مبين. أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض، وما خلق الله من شيء، وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون من يضلل الله فلا هادي له، ويذرهم في طغيانهم يعمهون..
ثم يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم طبيعة الرسالة وحدود الرسول فيها. وذلك بمناسبة سؤالهم له عن تحديد موعد القيامة التي يخوفهم بها!
{يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون}..
ثم يصور لهم كيف تنحرف النفس- التي أخذ الله عليها العهد الذي أسلفنا- عن التوحيد الذي أقرت به فطرتها؛ ويستنكر تصورات الشرك ومعبوداته؛ ويوجه رسوله صلى الله عليه وسلم في نهاية هذه الفقرة إلى تحديهم وتحدي آلهتهم العاجزة:
{قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تُنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون}..
ومن هنا إلى ختام السورة يتجه السياق إلى خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان افتتاحها خطابًا له- كيف يعامل الناس كيف يمضي بهذه الدعوة؟ كيف يستعين على متاعب الطريق؟ كيف يكظم غضبه وهو يعاني من نفوس الناس وكيدهم؟ كيف يستمع هو والمؤمنون معه لهذا القرآن؟ كيف يذكر ربه ويبقى موصولا به؟ كما يذكره من عنده في الملأ الأعلى سبحانه:
خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين. وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله، إنه سميع عليم؛ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون. وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون. وإذا لم تأتهم بآية قالوا: لولا اجتبيتها! قل: إنما أتبع ما يوحى إليَّ من ربي. هذا بصائر من ربكم، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون. واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين.. إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته، ويسبحونه، وله يسجدون..
ولعل هذا التلخيص، وهذه المقتطفات الكثيرة من السورة، أن تصور ملامحها الخاصة؛ وتميزها عن أختها سورة الأنعام في هذه الملامح. وفي منهج العرض. مع معالجة موضوع واحد.. موضوع العقيدة..
وقد أرجأنا كل تفسير للنصوص، وكل تفصيل للموضوع الذي تحمله، إلى المواجهة التفصيلية. اهـ.

.قال الصابوني:

سورة الأعراف مكية وآياتها ست ومائتان.

.بين يدي السورة:

سورة الأعراف من أطول السور المكية، وهي أول سورة عرضت للتفصيل في قصص الأنبياء، ومهمتها كمهمة السور المكية، تقرير أصول الدعوة الإسلامية من توحيد الله جل وعلا، وتقرير البعث والجزاء، وتقرير الوحي والرسالة.-، فعرضت السورة الكريمة في بدء آياتها للقرآن العظيم معجزة محمد الخالدة، وقررت أن هذا القرآن نعمة من الرحمن، على الإنسانية جمعاء، فعليهم أن يستمسكوا بتوجيهاته وإرشاداته، ليفوزوا بسعادة الدارين.
* ولفتت الأنظار إلى نعمة خلقهم من أب واحد، وإلى تكريم الله لهذا النوع الإنساني، ممثلا في أب البشر آدم عليه السلام، الذي أمر الله الملائكة بالسجود له، ثم حذرت من كيد الشيطان ذلك العدو المتربص، الذي قعد على طريق الناس، ليصدهم عن الهدى ويبعدهم عن خالقهم.
* وقد ذكرتعالى قصة آدم مع إبليس وخروجه من الجنة، وهبوطه إلى الأرض، كنموذج للصراع بين الخير والشر، والحق والباطل، وبيان لكيد إبليس لآدم وذريته، ولهذا وجه الله إلى أبناء آدم- بعد أن بين لهم عداوة إبليس لأبيهم- أربعة نداءات متتالية، بوصف البنوة لآدم {يا بني آدم} وهو نداء خاص بهذه السورة، يحذرهم بها من عدوهم، الذي نشأ على عداوتهم من قديم الزمن، حين وسوس لأبيهم آدم، حتى أوقعه في الزلة والمخالفة لأمر الله: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما}، كما تعرضت السورة الكريمة لمشهد من المشاهد الواقعة يوم القيامة، مشهد الفرق الثلاثة وما يدور بينهم من محاورة ومناظرة: فرقة المؤمنين {أصحاب الجنة} وفرقة الكافرين {أصحاب النار} وفرقة ثالثة لم يتحدث عنها القرآن إلا في هذه السورة، وهي الفرقة التي سميت ب {أصحاب الأعراف} وسميت باسمها السورة سورة الأعراف مشهد سوف يشهده العالم يوم البعث والجزاء، على الحقيقة دون تمثيل ولا تخييل، تبين ما يكون فيه من شماتة أهل الحق {أصحاب الجنة} بالمبطلين {أصحاب النار}، وينطلق صوت علوي يسجل عليهم اللعنة والطرد والحرمان، وقد ضرب بين الفريقين بحجاب، ووقف عليه رجال يعرفون كلا بسيماهم، يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه ونضرتها، ويعرفون أهل النار بسواد الوجوه وقترتها.
* وتناولت السورة قصص الأنبياء بإسهاب نوح، هود، صالح، لوط، شعيب، موسى وقد ابتدأت بشيخ الأنبياء نوح عليه السلام، وما لاقاه من قومه من جحود وعناد، وتكذيب وإعراض، وقد ذكرت بالتفصيل قصة الكليم موسى عليه السلام مع فرعون الطاغية، وتحدثت عما نال بني إسرائيل من بلاء وشدة، ثم من أمن ورخاء، وكيف لما بدلوا نعمة الله، وخالفوا أمره، عاقبهم الله تعالى بالمسخ إلى قردة وخنازير.
* وتناولت السورة كذلك المثل المخزي لعلماء السوء، وصورتهم بأشنع وأقبح ما يمكن للخيال ان يتصوره، صورة الكلب اللاهث الذي لا يكف عن اللهث، ولا ينفك عن التمرغ في الطين والأوحال {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} وتلك لعمر الحق اقبح صورة مزرية، لمن رزقه الله العلم النافع فاستعمله لجمع الحطام الفاني، وكان العلم خزيا ووبالا عليه، لأنه لم ينتفع بهذا العلم، ولم يستقم على طريق الإيمان وانسلخ من النعمة، وأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.
* وقد ختمت السورة الكريمة بإثبات التوحيد، والتهكم بمن عبدوا ما لا يضر ولا ينفع، ولا يبصر ولا يسمع، من أحجار وأصنام اتخذوها شركاء مع الله، وهو جل وعلا وحده الذي خلقهم وصورهم، ويعلم متقلبهم ومثواهم، وهكذا ختمت السورة الكريمة بالتوحيد كما بدأت بالتوحيد، فكانت الدعوة إلى الإيمان بوحدانية الرب المعبود في البدء والختام.

.التسمية:

سميت هذه السورة بسورة الأعراف لورود ذكر اسم {الأعراف} فيها، وهو سور مضروب بين الجنة والنار يحول بين أهلهما، روى ابن جرير عن حذيفة انه سئل عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقعدت بهم سيئاتهم عن دخول الجنة، وتخلفت بهم حسناتهم عن دخول النار، فوقفوا هنالك على السور، حتى يقضي الله فيهم بحكمه العادل.

.فصل في مقصود السورة الكريمة:

قال البقاعي:
سورة الأعراف مقصودها إنذار من أعراض عما إليه الكتاب في السورة الماضية من التوحيد والاجتماع على الخير والوفاء لما قام على وجوبه من الدليل في الأنعام، وتحذيره بقوارع الدرارين، وهذا أحسن مما كان ظهر لي وذكرته عند {والوزن يومئذ الحق} وأدل ما فيها على هذا المقصد أمر الأعراف فإن اعتقاده يتضمن الإشراف على الجنة والنار والوقوف على حقيقة ما فيها وما أعد لأهلها الداعي إلى امتثال كل خير واجتناب كل شر والاتعاظ بكل مرقق. بسم الله المتردي برداء الكبر وإزار العظمة والجلال الرحمن الذي من رحمته انتقامه من أهل الكفر والضلال الرحيم الهادي لأهل الاصطفاء إلى لزوم طريق الوفاء. اهـ.

.فصل في متشابهات السورة الكريمة:

.قال ابن جماعة:

سورة الأعراف:
144- مسألة:
ما سبب اختلاف الألفاظ وزيادة المعاني ونقصها في بعض قصص آدم دون بعض، وكذلك في غير ذلك من القصص كقصة موسى مع فرعون، ونوح وهود وصالح مع قومهم وشبه ذلك؟.